قيد يدي بحبل وثيق
و جرني جرًا إلى ذاك الجرف القريب
في طريق صحراوي قاحلة
لمَ يجذبني بشدة هكذا؟
ألا يلحظ أني أسير معه بإرادتي
و منذ زمن
ظل يشدني بقوة و هو يضحك ضحكته العالية
وأنيابه تلمع تحت حر الشمس
نشوة معهودة تملؤه و لهفة عارمة إلى اللحظة المنتظرة
مشهد عاشه الملايين من قبلي
أغواهم حتى أحضرهم إلى هنا ثم ألقاهم من علٍ
عن إرادة و رغبة منهم
و عن علم
دائما هم يهوون عن علم
و كنت أسير إلى نفس مصيرهم
و ربما عن علم
فما أن وصلنا إلى حافة جرفه
حتى اتسعت ضحكته و علا صوته
و نظر لي بعينيه الناريتين نظرة المنتصر
ومرر لسانه المشقوق على شفته السفلى في تشفي و هو يرى نظرتي المنكسرة
و همّ بأن يلقيني
لولا أني أفقت في لحظتي الأخيرة
وإذ به يجدني -فى قوة- أجذب يدي
فينقطع الحبل
و قبضة غضب من يدي طعنت وجهه
و دفعة مني نحو الهدف
أسقطته
حتى كاد يهوى من فوق الجرف
و تمسكت أطراف أصابعه بحرفه
فرأيت تلك النظرة التي أهواها في عينيه
ما أضعفك
و ما أغبى البشر إذ يتبعون مثلك
و ينخدعون بقوتك الزائفة
و غلبتك المزيفة
نظر إليّ مستعطفا مستذلا
ظن أني سأساعده
نعم كانت بيننا أيام وصل كثيرة
و لكن من قال أني عايشتها معه على حب
والليالي السوداء التي قضيناها معا
من قال أني أرضى بها
أو له أحفظها
فما اخترته يوما
ولو خيرت منذ ولادتي لما اخترته لي قرين أبدا
ما أغباه
أما سمع تمتمي بتلك الكلمات التي يعرفها جيدا
أما رأى تلك الأجسام البيض التي هبطت من السماء فور سماعها صوتي
أما شعر بهم و هم يمررون سيوفهم على الحبل حتى ضعفت عقدته
أظن أني أنا التي بقوتي قطعته؟
ما أغباه
و ما أهونه و هو ينظر إليّ خائفا
نعم الآن أعلم أني أنا الأقوى
فما هي إلا كلمة و تنفذ قوته و تذوب
"أعوذ به منك" نطقت بها
فهوى
و كأنه حفنة من تراب ألقيت في يسر من يدي
و رأيته يستقر هناك في قعر الجرف
و حوله مئات من تلك الأجسام المتعفنة المخدوعة
إنتابتني رجفة
إذ تخيلت روحي هناك
وسط هذا العفن
و أغمضت عيني في أمن
ثم التفت إلى من كانوا خلفي
ممن استدعتهم كلماتي من السماء
فأمسكت بأيديهم و سرت معهم
عائدة
إلى مأمني
و أنا أكمل "تمتمتي"
0 التعليقات:
لا تنسى ان تترك تعليقا..فبكلمة طيبة منك او نصيحة مهذبة قد تغير مسار حياة كاملة