الخميس، 29 مارس 2012

همسة إلى من حرم الحب و الحنان


لمن حرم الحب و الحنان..كن يوسف هذا الزمان
(تدبر...تأمل...تشبه)
لما روادت امرأة العزيز يوسف عن نفسه
لم تكن تراوده عن نفسه فحسب
بل راودته عن قلبه أيضا
فقد شغفها حبا
و رغم ما اجتمع ليوسف من أمور موحشات
كبعده عن أبيه قرة عينه و تمزق قلبه شوقا إليه
و جرحه الذي خلفه إخوته في قلبه
وخوفه وروعه من امتلاك العزيز له
ووحشته بين أناس يختلفون عنه نسبا وجنسية و ملة
و اغترابه في أرض ليست أرضه
و وحدته فلا أهل و لا صديق ولا حتى زوجه تخفف عنه وطأة هذا
و لم يكن ذلك لمدة يوم أو ليلة أو عام أو عامين
بل سنوات طويلة
سنوات عاشها يوسف
بلا حنان أب ولا أم ولا أخ ولا صديق ولا زوجة
بل هي الوحدة فحسب
ضف إلى ذلك كم المحن التي مر بها من سجن و غيره
و إني لأتسائل
هذا النبي الشريف الذي ضرب مثلا لا مثيل له في العفة
أما تشوف يوما بدافع بشريته إلى كلمة حب من أحد الناس؟
إلى نظرة حنان من أعين الناس؟
بل أما تطلع يوما و تمنى تربيته من يد زوجة على يده
أو كلمة طيبة نخفف عنه
أو مسحه حنون على شعره تزيح همه؟
أكان يوسف عليه السلام بعيدا عن هذه المشاعر؟
أكان خاليا منها؟
هل كان خاليا منها للدرجة التي تمكنه من صد عاطفة امرأة العزيز بهذه الصورة التى اخبرنا عنها ربنا؟
فمما لاشك فيه
ان امرأة العزيز راودت يوسف بشتى الطرق
العاطفية و المادية
فلا شك انها استخدمت جل الوسائل التي يمكن لامرأة أن تستخدمها لتوقع برجل
لاشك انها أفاضت عليه من حبها
وحنانها
و كلماتها
أفاضت عليه مما امتلأ به قلبها
فهي لم تحبه فقط
بل قال الله عنها (قد شغفها حبا)
فكيف تعامل معها يوسف الوحيد البعيد عن أهله ووطنه المفتقد لعاطفة أبيه الغامرة؟
كيف كان يملأ الفراغ العاطفي الذي كان سيملأ قلب أي شخص له مثل ظروفه و في مثل حالته؟
والله إني أرى
أن كثيرين و كثيرات من شباب مجتمعاتنا يعانون تلك الغربة و الوحشة رغم أنهم وسط أهليهم و ذويهم
يعانون الألم و الوحدة والفراغ العاطفي الشديد
حرموا من حنان الأم و متابعة و اهتمام الأب و صحبة الأخ و رقة الأخت
كثرت مشاكل حياتهم و عز على الناس فهمهم
و منهم إخوة و أخوات
ملتزمون و ملتزمات
ويعانون بصدق
هؤلاء لا يريدون من الدنيا سوى شخص يشعر بهم و بآلامهم و يشاركهم تفاصيل حياتهم و بصدق
و بتفاهم
لا يريدون سوى كلمة حب مخلصة صادقة و لمسة حانية على قلوبهم
ولكن
من هنا قد يأتي الزلل
ماذا لو طال انتظار الحلال و تيسر الحرام؟
ماذا لو عرض الحرام عرضا؟
ماذا لو جاءت الكلمة المنتظرة من فم شيطاني
و بثها نبض خبيث لا صدق فيه ولا إخلاص
هنا قد تحدث الفتنة
كما حدثت ليوسف
فما الذي ينجي في هذه الحالة؟
الذي ينجي هو نفس ما نجى يوسف من هذه الفتنة
(معاذ الله)
و استحضار الهدف الذي خلق له


(معاذ الله)
حيث الإعتصام بالله
اللجوء له وحده
الشكاية له وحده
تعلق القلب به وحده
إنتظار الفتح من عنده وحده
اليقين الشديييييييد بأن الكفاية من عنده وحده
هو فقط القادر على إروائي بحب لا اظمأ بعده أبدا
هو فقط القادر على أن يفيض علي بحنان لا أعرف قسوة بعده أبدا
هو الوحيد القادر على أن يكفي قلبي به ..وحده
فلا أتطلع لشخص ولا عاطفة ولا معنى بعده أبدا
و هكذا عاش يوسف و لهذا نجا
عاش مُخلَصا
لله و فقط
عاش متعلقا بالله وفقط
لم يكن يشعر بألم وحده ولا عذاب غربة ولا أي شيء من هذا
كان قلبه مصاحبا لله فلم يحتج لأحد
كان قلبه عامرا بالله فلم تجد امرأة العزيز لها مكان فيه
و أيضا
كان ذا هدف ..يعرف دوره جيدا
لذا لما دخل السجن لم ينشغل بالهم و الحزن على حاله
نحى كل ذلك جانبا وقام بالعمل الذي من أجله خلق
الدعوة إلى التوحيد
لم يضع الوقت في البكاء و الحسرة على مصيره
بل تفكر
كيف يستغل موقعه الجديد في آداء وظيفته
فدعا صاحبيه إلى التوحيد
هكذا كان يوسف و بهذا واجه امرأة العزيز
بأن علق قلبه بالله
بأن اعتصم بالله
بأن كان فاهما لدوره متخذا لنفسه هدفا فلم ينشغل بالفتنة وقت وقوعها
بل ركز
ووازن بين نتيجة الذنب و نتيجة العفة
أيهما ستوصله لما يريد؟
ماذا لو استسلم ووقع؟
وماذا لو تعلق بالله وفقط؟
فلما حسم النتيجة
خرجت منه قوية
ثابتة
صادقة
(رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه)
فكان له السجن
و كانت له العفة
و كان له دعوة صاحبيه
ثم أتدري ماذا كان نتيجة صبره و عفته؟
أن حباه الله بما كان محروما منه طوال أربعين سنة
أن رد إليه أبيه الحبيب و عاطفته الجياشة
و أصلح البين بينه و بين إخوته
بل و طلبوا منه أن يستغفر لهم
فرقق قلوبهم عليه
و رزقه بزوجة مؤمنة
و مكن له في الأرض
أي جمع ليوسف كل المشاعر الجميلة التي أنتزع منها طوال اربعين سنة
ملأ الله حياته بالحب و الحنان من جديد جزاءا على تفريغ قلبه له وحده
و تعلقه به وحده
فيا من حرمت الحب و الحنان
كن أنت يوسف هذا الزمان
لا يغرنك جمال امراة فاتنة
فعزيزها الشيطان
ولا خير في امراة اتخذت من الشيطان وليا
سيأتيك ما تريد وزيادة
فقط أحسن يحسن الله لك
و اصبر يصبرك
و تمنى الحلال يبلغك ولا شيء غيره
فلولا ثبات يوسف لما وصل إلى ما وصل إليه
و اني أختي
الله سميع عليم
يعلم بافتقارك
و حرمانك
وبما تعانيه ممن حولك
و يجهز لكِ في الجنة الان
زوجا من أطيب ما يكون
و أعذب ما يكون
و يجري على لسانه كلم من أحن و أحب ما يكون
فقط العفة العفة
و الثبات الثبات
و الحلال الحلال
بهم يبلغنا الله ما نريد و زيادة
و كلما وردت علينا فتنة
فلنهرع إلى سورة يوسف
لنتأسى بنبي الله
يوسف الصديق












هناك 5 تعليقات:

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  2. الله أرحم وأحنّ وأكرم من أيّ بشر على وجه الأرض ..وإذا كُنّا لانستطيع أن نُمسك تلك الرحمه كما تُمسك الأشياء حتى يتغلغل اليقين بذلك فى قلوبنا فلنقف فقط ونتأمّل وسوف تتجلّى مُعاينة رحمة الله فى كل صغيرة وكبيرةٍ من حياتنا تغسل هذه الرّحمات قُلوب المكلومين وتروى ظمأ المحرومين وتأوى أنين التّائهين ..والله ياأختى إنّى رأيت آثار رحمة الله فى كلماتك النديّه فسبحان من أنطقكِ بحسن المنطق ورقّة الأسلوب وقد وطأ حرفكِ كلّ جرح بلا مبالغه فسبحان من اصطفاك لنرى فيك أثراً من آثار رحمة الله تعالى ....هذا الموضوع عجزت أن أصوغ مثله لكثير من القلوب الذّابله التى رأيتها وحزنت وأشفقت عليها أشدّ الإشفاق فاسمحى لى أن أهرول بهم إلى الجواب ..فكلّ حرفٍ من كلماتكِ اجابةً شافيهّ ومعانى دافئة ..بارك الله لنا ولكِ فى القرآن العظيم وأثق أن سورة يوسف لازال فيها مزيد روائع وجميل معانى فلا تبخلي وأفيضى سلمك الله من كل سوء

    ردحذف
  3. أختي أرجو عفو ربي

    بارك الله فيكِ و ووهبك رحمة من عنده
    أثلجتي صدري بكلماتك الرقيقة
    و شرحتي صدري
    أسأل الله أن أكون قد وفقت فعلا في صياغة النصيحة
    و اتمنى على الله أن أكون قد رزقت فيها الإخلاص
    حتى تكون لي لا علي يوم الحساب
    و جزاكِ الله خيرا أختي

    أم جليبيب

    ردحذف
  4. يا الله
    كم أثرت فيّ كلماتك الغالية
    وكم أحببتها ولامست شغاف قلبي وأثرت فيّ
    كم كنت بحاجة إليها ووفقني الله إلى قراءتها الآن رغم أني مررت على هذا الرابط كثيراً دون أن أفتحه
    إنه حقاً فضل عظيم من الله وكرم منه سبحانه .
    تعلمين حبيبتي إن هذا لجرح عميق في جانب كثير جداً من الملتزمين
    لكن لحياؤهم من مصارحة نفسهم بهذا ينكرون
    لكن يظهر بشدة أثره في أعمالهم لحب الثناء والمدح مثلا وانتظار عطف من الآخرين وهم لا يعلمون ماهية مشاعرهم وما سببها

    فلو كان العبد مخلصاً مستغنياً بالله عز وجل فإنه لن يلتفت مطلقاً لكل هذا ( إلا ابتغاء وجه ربّه الأعلى )

    التشخيص نصف العلاج ،فقبل أن يقول العبد كيف لا أحقق الإخلاص ولماذا أنا منكبّ انكباباً على جانب استدرار العطف من الناس خفية ، يراجع حال قلبه مع الله عز وجل حباً لله وتقواه وخشيته والالتجاء والاستغناء .

    جزاك الله خيراً حبيبتي أم جليبيب على كلماتك الرائعة

    ردحذف
  5. كذا جزاكِ خيرا
    ففي لفتتك علاج لمن يحبون المدح
    يجب أن يعلموا أنه نوع من سد النقص والحرمان الذي فقدوه

    إذا ليس شرطا أن يكون فقط عدم إخلاص أو عجب في نفس المرء
    بل هو جبر لنقص بداخله
    لو علم هذا ربما سهل عليه العلاج
    لفتة طيبة

    ردحذف

لا تنسى ان تترك تعليقا..فبكلمة طيبة منك او نصيحة مهذبة قد تغير مسار حياة كاملة