يتم التشغيل بواسطة Blogger.
RSS

مشهد .. (قصة قصيرة)





المشهد الأول:



وقفت تتأمل المارة في ملل وهي تنتظر قطار الأنفاق 

لفتت نظرها وهي بسوادها مغطاة من الرأس وحتى القدم

تمسك بيد هذا الرجل  ذي اللحية الكثيفة المشعثة



يا لهذا الجهل والتخلف .. ألن يختفي أمثال هؤلاء من الوجود

في أي قرن نحن !! "قالتها في نفسها" وبدا منها نظرات الازدراء والتأفف لهما



دلفوا جميعا داخل العربة ، جلست على أحد الكراسي ونظرت تتأمل هذين المسخين !



وجدتها تقف بجواره صامتة وهو مشغول بمطالعة الهاتف .. كانت تنظر فيما حولها في ملل واضح

تنتظر أن تجلس

وكان هو يتجاهلها تماما .. طبعا وهل يعلم هذا الجاهل كيف يتعامل مع النساء؟!!



مر رجل من جوارها فلامس كتفه كتفها عن سهو وغير عمد

فانتفضت المرأة .. يا للجهل .. إنه لم يفعل شيئا .. أتظنه ذئبا !!

أما هو .. فنظراته النارية كادت أن تلتهمه لولا أن سارع الرجل باعتذار شديد وواضح ، وربتت هي على يده مهدئة في خوف جلي

ترى ماذا سيفعل فيها عندما يختلي بها .. طبعا سيؤنبها كثيرا ويكيل لها التهم ..

يؤنبها ..!! لا لعله سيضربها ..

فهؤلاء همج وحشيون .. لا يحسنون إلا هذا



عادت المرأة ذات السواد تتأمل العربة من حولها في ملل

وهو بات ملتصقا بها وكأنه "غفير" يحذر من يقترب من تلك الملكية الخاصة

تبا لكما .. إن أعصابي لا تتحمل هذا التعسف 



حركت – الجالسة-  خصلات شعرها للخلف ووضعت ساقا على ساق تتابع المشهد بشغف أكثر

وازدراء أكثر



رأتها وهي تنتبه لأحد الكراسي قد خلا من جالسه

فاستأذنت رجلها – الذي ما زال منشغلا بهاتفه- استأذنته في أن تجلس هناك على ذاك الكرسي

فأومأ لها برأسه وظل هو مكانه يراقبها



يا إلهي .. إني لم أعد أتحمل هذا الخنوع .. من تظن نفسها تلك المرأة

إنسانة أم حيوان يتبع هذا الشيء ذو اللحية المشعثة

أتنتظر إذن منه لكي تجلس على بعد خطوة أو اثنين!!



جلست– ذات السواد- تتأمل المنظر من النافذة .. فرن هاتفها المحمول يعلن عن وصول رسالة ما

انتبه رجلها مع الصوت كما انتبهت هي أيضا

فتحت الهاتف لتقرأ الرسالة ثم بعفوية شديدة صدرت منها ضحكات خفيفة مسموعة لمن يجاورها

فوضعت يدها على فمها مستدركة أمرها ونظرت إليه بخوف واعتذار

رمقها بنظرة حادة جدا ثم أشاح بوجهه عنها بعد أن هدأت ملامحه

أغلقت هاتفها وتعلقت أنظارها به قليلا تطمئن أنه غفر لها ولن يأكلها أو يقطعها إربُا ثم أشاحت بوجهها نحو النافذة



أفاقت صاحبتنا ذات الشعر الحريري والعطر الفواح والقوام الجذاب على صوت أحدهم وهو يردد اسم أحد المحطات

فأدركت أنه قد حان أوان نزولها هنا

قامت من مكانها متبخترة وألقت نظرة استحقار على تلك الجالسة هناك عند النافذة

وأخرى على ذاك الحارس الواقف هناك والذي كف عن العبث في هاتفه

ثم تركتهما برجعيتهما وتخلفهما وجهلهما ورائها

وانصرفت وهي تردد في أعماقها "تبا لكم ولأمثالكم أيها المتخلفون"

وأخذت تفكر في المصير الأسود الذي ستلاقيه تلك السوداء حين يختلي بها هذا الكائن



..



المشهد الثاني



دلف الحبيبان إلى جنتهما بعد يوم كامل من الفراق !

كان يومه شاقا في العمل .. كانت ملامح وجهه توحي بذلك

ورغم هذا لم يتأخر عن موعده معها لإحضارها من بيت والديها

كان يمكنه أن يعتذر لها وتحضر بنفسها .. ولكنه لم يفعل !



قامت لتحضر له الطعام فباغتها بسؤاله إن كانت تود شرب شيء يحضره لها !!

حاولت ثنيه عن ذلك .. فهو متعب

ولكنه أصر وعلى شفتيه ابتسامه توحي بصدق رغبته

تركته يفعل من دون عجب .. إنه ديدنه

كثيرا ما كان يحضر لها مشروبها الذي تحب ويأتي به إليها ويضعه بين يديها

وكثيرا ما كان يحضر لها الإفطار فتأكل من عمل يده

بل وكم من مرة ساعدها في ترتيب المنزل .. وتنظيف الأشياء وشراء الحاجيات

بل وأكثر من ذلك يفعله في سعة صدر وتواضع واصح لكل قلب وعين

حتى اعتادت منه ذلك فما عادت تعجب



أملت عليه طلبها فتقبله في سعادة وشرعت تتأمله وهو يحضره

وابتسمت حين تذكرت غيرته لما مس الرجل كتفها من غير عمد حتى كاد أن يلتهمه بعينيه

وابتسمت لما تذكرت كيف ظل واقفا بجانبها حارسا لها يخشى أن تمتد إليها عين لا يد فقط

وابتسمت لما تذكرت كيف علت ضحكاتها عند قراءة الرسالة فأوشك أن يرميها بشيء

وهو الذي يغار من أن يسمع أحد حديثهما فيتمتع بصوتها دونه !!



أفاقت من تأملها لما تذكرت الرسالة .. فأسرعت إليها تفتحها لتقرأها من جديد

وتمتع عينيها بالكلمة التي حوتها " أوحشتني أميرتي كثيرا .. فقط لو يسرع القطار! .. :)"



كان مشغولا بهاتفه ليرسل لها كلمة تعبر عن شوقه لها يشق بها عائق الزحام من حولهما

 .. وكم يتمنى لو أسرع القطار ليصل بها إلى جنتهما سريعا



شعرت بمشاعرها كتيار جارف .. فأسرعت إليه تحتضنه بعينيها وتشاركه تحضير المشروبات

وتغمرها وفرحة لا حد لهما

وفي قلبها رددت دعاءا ورجاءا

"يا رب أحفظ لي هذا الرجل ذي اللحية الكثيفة المشعثة "

1 التعليقات:

Unknown يقول...

سيدتي جزاكِ الله كل الخير على هذه القصة الممتعة ...فحقاً ليس كل ما نراه حقيقة

أضف تعليق

لا تنسى ان تترك تعليقا..فبكلمة طيبة منك او نصيحة مهذبة قد تغير مسار حياة كاملة