تتسارع ضربات قلبها
و يتساقط العرق من على جبينها
و تحدق بعينها في الباب
و يدها...
مترددة
خجلة..
ترتفع نحو الباب ثم تنخفض
عقلها يفكر
أتطرق الباب
أم تعود من حيث أتت وتنسى الأمر برمته
وقفت تفكر وتتذكر ما حدث
تعجبت
كيف فعلت ما فعلت؟!
كيف قويت على أن تتركه؟!
كيف التفت عنه؟!
دمعت عيناها حين عادت بها الذاكرة إلى الوراء
وتذكرت كيف كان معها وإلى جانبها
يفرغ عليها من الحب والحنان
تذكرت كيف كان يلبي لها طلباتها من دون سؤال
كيف كان يفهمها من دون كلام
كيف كان يعينها على ما تريد من دون طلب
كان دائما يسعدها
يتودد إليها بكل ما يملك
في كل وقت وعلى كل حال
كم كانت تخطيء في حقه ويسامحها
كم كانت تغضبه ثم سريعا يرضى عنها
كثيرا ما ضنت بحبها وودها ووصلها
فكان يتجاوز ويداوم على وصلها ولا يتركها
كم ضعفت فقواها
وكم مرضت فطيبها وشفاها
وكم حزنت فأضحكها
وكم أدماها الهم فخفف عنها
أغلقت عيناها في ألم وندم
وأخذت تتسائل في حسرة
لماذا التفتت عنه ؟!
لماذا لم تطعه؟!
لماذا فرطت في حبه؟!
كيف لم تسمع لندائه؟!
كيف مشت وراء نفسها الجحود التي لم ترع حبه ووصله؟!
كيف تطلعت إلى حلم آخر وجنة أخرى غير جنته
ورغبت عنه وعن جواره؟!
لماذا تبدلت معه؟!
لماذا خرجت من ذاك الباب.. ؟!
ذاك الباب الذي تقف أمامه الآن وحيدة مهمومة تقتلها الحسرة
إنها لا تصدق أنها ظنت يوما أن خلف هذا الباب الجنة التي تريد
ولم تكن تعلم أن الجحيم ذاته يكمن خلفه
ما يؤلمها أنه منذ عرفها وأحبها كان يحذرها منه
وأنه منذ وجدها فقربها أخبرها أنها لو ولجته ستفارقه
و قد يكون هذا الفراق للأبد
أخبرها أن من وراءه بحر عميق غرق فيه كل من ولجه
و لم ينج منه أحد
أخبرها أنه سراب
لمعانه زائف
وكنزه قاتل
وماءه حارق
وأنها مخدوعة بزخرفه وزينته حتى إذا ولجته كشفت حقيقة ما وراءه
و لكنها لم تسمع ولم تفهم
أرادت أن تلهو وحسب
خلب لبها بحر الحياة العميق المليء بالخيرات المسممة
وظنت أن فيها السعادة والأمن ومنها الراحة
فتمردت
واشترت بحبه ثمنا قليلا
وغرها حلمه
وأعرضت
و استكبرت وطغت
وإلى ذلك الباب الذي يفصلها عن جنتها الزائفة خطت
و لازالت تذكر ندائه لها وهي تخطو نحو الباب
لكي لا تذهب ولا تخرج
وتذكيره لها بأيام وصله وفضله
وما كانا عليه من عهد
ولكنها كانت كالمسحورة
فأخذت تبتعد وتبتعد
ومن الباب تقترب
حتى إذا ما إليه وصلت..فتحته
وخرجت منه وفارقته
ويا ليتها لم تفعل
ويا ليتها لم تخرج
بدا بحر الدنيا من حولها جميلا مزينا آخّاذا
بكنوزه وذهبه ومرجانه وخيراته التي لا تنتهي
حتى غرها ذلك فتعمقت فيه أكثر وأكثر
وكلما تعمقت
زادت غرفا منه ومن سمه الذي لم تدرك خطره في البداية
حتى وصلت إلى العمق البعيد
فشعرت بالوحشة والوحدة
و بدأ السم يمزق بالألم جسدها
ونظرت من حولها فلم تر إلا حيتانا أفواهها مفتوحة تنتظر التهامها
وشباكا تتشابك لصيدها
وشباكا تتشابك لصيدها
و الظلام بدأ يخيم من حولها
و التيار يجرفها إلى الأسفل ليغرقها
بحثت عن الشاطيء في لهفة فلم تجده
وفتشت عن الراحة والسعادة في داخلها فوجدتها قد اختفت
بل الغربة والخوف شعرت
فانقبضت وندمت
حتى بكت وصرخت
أخذت تصارع وتصارع تحاول النجاة بقلبها من كل هذه الأفواه المفتوحة
والوجوه العفنة
والأصوات النكرة
تلاطمتها الأمواج وتقاذفتها
و هي ضعيفة لا حيلة لها
فبه استنجدت وعلى حبيبها سيدها نادت
وهنا تذكرت
تذكرت قوقعته الصغيرة البسيطة التي كانت تؤيها
و من شر هذا البحر الطاغي تحميها
و يده التي كانت تربت على قلبها وبالراحة تمنيها
ومعيته التي كانت من كل شر تنجيها
نادت عليه كثيرا
ولكن ما سمعت سوى رجع الصدى
كم ابتعدت عنه
فمن ينقذها الآن من بعده
من؟
ازداد بكاؤها
وكادت تستسلم للأمواج العاتية
لولا أن لمحت من بعيد بريق بابه يلمع وسط الظلام
فشعرت ببعض القوة وبصيص أمل
وبعد جهد جهيد وصراع عتيد تملصت من أغلالها
ومن تلكم الأفواه التي كانت تبغي التهامها
وسبحت في قوة حتى وصلت إلى بابه
ممزقة
مشعثة
غارقة في ماء دموعها قبل ماء بحرها
وببطء رسا جسدها على رمال بابه البيضاء
وها هي تقف هناك عند بابه
لا تدري ماذا تفعل؟
تنزف عيناها الدم من شدة الندم
يعصف برأسها سؤال
أيسامحها؟
أيغفر لها؟
لقد أعرضت عنه وذهبت
واشترت بقربه الثمن القليل
تراه لازال يحبها أم بات يكرهها
أتراه أبعدها أم لازال ينتظرها
أتراه لازال يذكرها أم استبدل بها أخرى
أسئلة تعصف بذهنها تتمنى لو تعرف إجابتها
وها هي تقف بابه
لا تدري أتدقه لتعرف الإجابة وتتلقاها
أم تستدير وتعود أدراجها
و لكن إلى أين ستعود؟
فإنه المأوى
و إنه السكن
و عنده الوطن
اأأأأأه
آه لو لم يسامحها
آه لو طردها وأبعدها
و إلى هذا السراب أعادها
و إلى ما سعت إليه تركها
ماذا ستفعل حينها؟
إنها تحبه
نعم تحبه
ربما لم تشعر بها إلا لما تركها
و لم تدرك قيمتها إلا لما بعد عنها
لكنها تحبه
نعم هي تحبه
ولن تتركه
وستطرق بابه
وستكون معه
وستعود له
و هكذا
تمالكت نفسها
و جمعت قبضة يدها في وهن
وهمت بطرق الباب
فإذ به فجأة ينفتح
فاضطربت بشدة
وأسرعت تغلق عينيها وهي مرتجفة
لا تريد أن ترى نظرته لها
لا تريد أن ترى غضبه
فظلت عيناها مغلقة وتسمرت في مكانها
مننتظرة أن تسمع طرده لها
و تخيلته وهو ينظر إلى جسدها الواهن
ووجهها الدامي
وحالها الرث
فلما ساد الصمت وطال
همت أن تذهب وتهرول بعيدا بعيدا بلا عودة
فإذ بها فجأة
تشعر بمن يلامس يدها في لطف
و يمسك بها
ويجذبها إلى الداخل
إلى داخل بيته
ففتحت عيناها ونظرت وهي متعجبة
فرات بقلبها حنانه ورحمته يملآن كل ما حولها
فسالت انهار الدموع على خدها
ولسع سوط الحياء قلبها
وهمست نفسها في حيرة و ألم:
هكذا؟!!
أأدخل هكذا؟!!
من دون لوم؟!!
من دون توبيخ؟!!
من دون عتاب؟!!
من دون حساب؟!!
من دون عقاب؟!!
بهذا الحنان ؟!!
و هذه الرأفة ؟!!
وقفت
و لم تستطع الحراك
كبلها حياءها منه
فاجتذبها قلبها المشتاق يمررها من بين الباب
بكل
شوق
ولهفة
وبدت هي كالطفلة الصغيرة
المعلقة بوليها يعلمها كيف تخطو وتمشي
المعلقة بوليها يعلمها كيف تخطو وتمشي
فاستسلمت
و خطت إلى الداخل في حياء
وصوت بكاءها يعلو ويزداد
حتى تجاوزت الباب ببضع خطوات
ثم توقفت وانتبهت
وحولت نظراتها إليه
و في حزم بدا على ملامحها وعزم
أفلتت يدها من يده في بطء
ثم التفت تخطو نحو الباب الذي لايزال مفتوحا
وقفت عليه
ونظرت إليه
وبنظرات الاستحقار والقوة تأملته
ثم مدت يدها إلى مقبضته
وبكل ما أوتيت من قوة وعنف أغلقته
ومن داخلها
أقسم قلبها به
وبحبه
أنه لن يفتحه ثانية أبدا
مهما كابدت في عيشها معه
ومهما تجاذبها تيار البحر نحوه
ثم تنهدت في ارتياح وداعبها الأمل
والتفت إلى حبيبها سيدها وهي تبتسم
وهتف لها قلبها ببدء عهد جديد هنيئا معه
معه وحده ...
==========
جاء في الأثر
أنه كان في بني إسرائيل شاب
عبد الله عشرين سنة
ثم عصى الله عشرين سنة
ثم نظر في المرآة
فرأى الشيب في لحيته فساءه ذلك فقال:
اللهم اطعتك عشرين سنة
ثم عصيتك عشرين سنة
فإن رجعت إليك تقبلني؟
فهتف هاتف به يقول:
أحببتنا فأحببناك
و تركتنا فتركناك
و عصيتنا فأمهلنا
و إن عدت إلينا قبلناك
عبد الله عشرين سنة
ثم عصى الله عشرين سنة
ثم نظر في المرآة
فرأى الشيب في لحيته فساءه ذلك فقال:
اللهم اطعتك عشرين سنة
ثم عصيتك عشرين سنة
فإن رجعت إليك تقبلني؟
فهتف هاتف به يقول:
أحببتنا فأحببناك
و تركتنا فتركناك
و عصيتنا فأمهلنا
و إن عدت إلينا قبلناك
..
13 التعليقات:
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
ما شاء الله لا قوة إلا بالله المعنى طيب جدا والتصوير بليغ والمغزى واضح
ولكن هناك تعدى فى بعض العبارات وخروج عن المسموح به فى الكلام عن الله مثل
سيؤذيه فراقها(فالله لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية)
رجائه لها بألا تذهب ولا تخرج
و لكنه لم يسمعها(وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿الأنعام: ١٣﴾)
صار بعيدا عنها("وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴿١٨٦البقرة﴾")
تشعر بيده تلامس يدها في لطف و تمسك بها(حقيقة لا أدرى ما الحكم فى قول مثل هذا ولكن فى النفس شئ منه)
و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته
جزاكم الله خيرا على الكلام الطيب
بالنسبة لـ (سيؤذيه فراقها)
فالنبي صلى الله عليه و سلم قال ( ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم)
هذا هو الأذى الذي أذكره، ان ينسب إلى الله ما لم ينزل به سلططان ثم يصبر على عباده و يحلم عليهم
و كذلك الأمر هنا، ان نعامل الله بسوء أدب و استكبار ثم يعفو و يسامح في النهاية
أما عن رجائه لها بالا تخرج ، ليس رجاء و لكن الله يحذر العبد كثيرا جدا و يرسل له رسائل كثيرا جدا و يفهمه طريقه قبل ان يتركه للضلال
و لكنه لم يسمعها، نعم في القصة حبيبها لم يسمعها ، لأن الذنوب حجبت بينه و بينها و في الحديث( قال الله لملائكته إلى متى تحجبون عني دعوة عبدي) يعني ان دعاء عبده كان محجوبا بالذنوب و إن كان هو السميع العليم
اما صار بعيدا عنها، فانا أردت ان أبين فكرة نسيان الله للعبد فالله قريب و لكنه ينسى العبد إن العبد نساه
و الأصل في القصة اني لا اتحدث عن اللهن انا اتحدث عن حال معين بين اثنين و أردت ان أسقطه على حال العبد مع ربهن يعني هي قصة رمزية أسقطها رمزيا على حال العبد مع ربه و ليس حرفيا
و عامة ، انا سأراجع القصة و أصحح بعض الألفاظ فيها و اعدلها ، درءا للشبهة عني
جزاكم الله خيرا
نسيت ان أقول ان مبدا اخذه بيدها نحن ندعو الله به أصلا فنقول ، اللهم خذ بايدينا إليك و المعنى رمزي
اللهم أشعرتني هذه القصّة بطاقة حُبّك تتجدّد في أعماق روحي , فاللهم جدّد عهد قرب كاتبتها منك ولاتُعذّبها بالبعد عنك..
أبكتني حروفكِ كالمعتاد أخيتي الغاليه , تلك المعاني الضائعه في هذا الزّمان المُعشّق بالأغبرة القذرة وتصدّرت المظاهر كثيراً من النفوس عافانا الله
أحببت وصفك لتعامل العبد وعلاقته بربّه والأجمل تمثيل ذلك بقصّة فقد أوصل المعني بشكل أعمق , بارك الله عليكِ وجعل كل حرف لكِ فيها نوراً ورفعة وقربة الي الرحمن..
لي وقفة علي هذا الشّطر مما كتبتِ...
كثيرا ما ضنت عليه بحبها و وودها ووصلها
فكان لا يأبه لذلك و يداوم على وصلها ولا يتركها
والله أعلم ->كيف لايأبه الله بمن ضنّ بحبّه له؟؟ وهو سبحانه يغار علي قلب عبده المؤمن ’ أماترين أن استبدالها "بـ/حلم عليها " أفضل ؟؟
جزاكِ الله خيراً غاليتي , أختك في الله
صحيح أختي في الله من فضلكِ هل لديكِ ايميل أتواصل فيه معكِ بشأن أمر؟؟ إسمي في منهج "قلب مستغيث بالله"..أختك في الله
جزاك الله خيرا حبيبتي
يمكنك طلب إميلي من المضرفات في منهج و أنا تحت امرك طبعا
أو لو تحبي يكون التواصل بشكل أسرع اكتبي لي هنا في صفحة المدونة لو لديكِ حساب على الفيس بوك و سأراسلك فورا
http://www.facebook.com/om.golibeb
و بشان تعليقك
ساقوم بالتعديل كما ذكرتيه بارك الله فيكي
جــزاكـِ الله خيرا :)
و اياكِ حبيبتي
منتظراكِ في أي وقت :)
يمكنك طلب إميلي من المشرفات في منهج و أنا تحت امرك طبعا<< كيف أطلبه غاليتي أفتح موضوع في اي قسم ؟؟
أنا لدي ايميلات مشرفات القرآن ينفع اتواصل مع احداهن؟؟
بارك الله فيكِ , أختك في الله
في قسم التواصل بركن الأخوات
أو
راسليني على هذا الميل
ثم أحولك على الميل الذي أستخدمه الان
om.golibeb@gmail.com
فقط اكتبي لي أنك ارسلتي لي لأني لا أفتحه
جزااااااااكِ الله كل خير
كلمات جميلة تلامس القلب
وتدمع العين
دائما مبدعة
أحبك ف الله
لا تنسيني من دعواااتك
جزاكِ الله خيرا و أحبك
رفع الله قدرك
و أصلح الله حالي و حالك
و لكن تعليقك يوحي بأنك تتابعيني
لم لا تكتبي اسمك حتى أعرفك أنا أيضا :)
لا تنسى ان تترك تعليقا..فبكلمة طيبة منك او نصيحة مهذبة قد تغير مسار حياة كاملة