الفتور ليس دائما طرد أو صرف أو عقوبة
بل قد يكون ابتلاء
اختبار لمدى صبرك وقوتك على طاعة الله
و مدى إخلاصك
فكثير منا يُقبل على الطاعة لِما يجده فيها من لذة ومتعة ومردود في قلبه
ومتى ذهب هذا تجده يتوقف عن الطاعة أو يكسل عنها أو لا يفعلها بنفس الهمة السابقة
هنا يجب أن يتوقف و يتسائل؟
هل أقوم بالطاعة لأحصل على المقابل أم أني أقوم بها طاعة لله و إمتثالا لأمره
إن كانت الثانية
فعلامتها الاستمرار في الطاعة أيا كان حال القلب
مستشعرا لذتها أو لا
(و مثاله: رجل يقوم الليل يوميا و يتمتع بذلك
ثم لما ذهبت متعته ترك القيام
و كان حري به أن يستمر في القيام حتى لو لم يجد المتعة في قلبه ثم يسل الله أن يبلغه إياها)
هنا يكون الفتور كالترمومتر الذي يقيس لك حساسية نفسك
ومدى مرض قلبك
وكجرس إنذار لتستدرك نفسك قبل فوات الأوان
والفتور حينها يمثل نعمة عظيمة
يمثل مرآة واقعية ترى من خلالها نفسك وتقيمها
فضلا عن قيامه بدور المولد الذي يولد بداخلك العديد من العبادات القلبية التي ما كنت تصل إليها ولا كنت تلقي لها بالا أصلا لولاه
كتجريد الإخلاص والصبر ودرء صفة الكسل عن النفس ومحو لفظ العجز من قاموسك القلبي ومحاولة توليد وإنتاج الهمة و....
وهذا ما أريد الإشارة إليه
تعبيد الإرادة
إرادتك و عزيمتك
فالإحساس بالإرادة والعزيمة التي تشعر بها في قلبك
والذي يتفاوت من شخص لآخر ويختلف من حين لحين
لا شك أنه خلق من خلق الله عزوجل
فكما أن بدنك من مخلوقات الله
وأفعالك من مخلوقات الله
فكذلك كينونتك وإحساساتك وتكوينك النفسي خلق من مخلوقات الله
وكما أنه يجب عليك تعبيد بدنك لله
وتعبيد أفعالك لله بأن توافق شرعه
كذلك المطلوب منك أن تعبد كينونتك وأحاسيسك وتكوينك النفسي لله
فكل شيء في هذا الكون عابد له ممتثل له
وكذلك تكوينك
ومنه الإرادة
وعلى هذه الإرادة أن يسخرها صاحبها لعبادة الله ويقيم حق الله عليها باعتبارها خلق من خلقه
وباعتبارها نعمة يجب تفعيلها وتسخيرها في السبيل إلى الله
ولكن متى يسخر الإنسان هذه الإرادة ويقيم حق الله عليه فيها إن لم تبرز له الحاجة إليها فينتبه لها فيفعلها؟
وكيف يفعلها وهو دائما يجد تيسيرا في الطاعة مستشعرا متعتها؟
وكيف يستغلها و هو دائما يستشعر القرب ولا يجد في الطريق أي غضاضة؟
لا شك أن عدم الإحتياج لشعور الإرادة والمجاهدة يطمسها ويعود الإنسان السهولة وينسي الإنسان كيفية إستخدامها وطريقة تفعيلها والتفاعل معها
وهنا يأتي دور الفتور
أن يسد الله عليك باب الطاعة بتسبيب أي سبب
ذنب أو ابتلاء أو شيطان إنس أو كسل أو أي شيء
لتبحث وتفكر وتبدأ تستغل ما منحته من قدرات
و تعبد هذه القدرات -والتي هي في الأصل نعم- لله عزوجل فتقيم حقه عليك في نواحي ربما لا تلتفت إليها غالبا
ربما لم تكن لتلفت إليها إلا في وقت الفتور
لذا ليس من العجب أن نتعلم من مشايخنا
أن عبادة وقت الفتور هي المجاهدة والصبر على الطاعة
لأن المرء حاله يتأرجح ما بين أمرين:
إما أن ييسر عليه الله الطاعة ويفتح عليه فيها
وبهذا يكون ذلك نعمة ومنحة من الله عزوجل وبداءه منه سبحانه لك
أو يمسك الله عنه ذلك اختبارا له
فإذا ثبت على طاعته وجاهد نفسه واستخرج ما في نفسه من عزيمة وإرادة
أثبت الله له ذلك ورقاه في هذه الطاعة وفتح عليه فيها
وأثابه على مجاهدته بأن يهديه للمزيد
وهكذا في كل طاعة
(و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)
وأيضا الإخلاص
فعلى قلة طاعاتك وقت فتورك لو تحريت فيها الإخلاص فبلا شك أن هذا يعظم من قدرها وثوابها عند الله
فرب طاعة على صغرها أخلصت فيها
تثقل ميزانك يوم القيامة وتوجب لك مغفرة الله ورحمته
فاجعل عبادتك الأولى دائما وبالأحرى وقت فتورك هي الإخلاص والإحتساب
ولا تستلم للإعتياد والكسل
لذا لعل فتورك هو بداية نقطة التحول في حياتك
هو ابتلاء واختبار لك
إن أحسنت فيه استبشر بأن يحسن الله لك
و قد نقلت لي إحدى الأخوات قول معلمتها:
( إذا بدء العبد طاعة وداوم عليها ثم عسرها الله عليه فلا يتركها أبدا وليثبت وليستبشر فإنها علامة بدء قبولها)
فأسأل الله أن يرزقنا الفهم عنه والتوفيق للعمل به
وأن أكون وقفت في تبسيط المراد قوله وتوصيله لكم
والله أعلم
لا تنسونا من الدعاء
1 التعليقات:
جـزاكـم الله عنــا كـل خيــر .. :)
لا تنسى ان تترك تعليقا..فبكلمة طيبة منك او نصيحة مهذبة قد تغير مسار حياة كاملة