يتم التشغيل بواسطة Blogger.
RSS

ألم جديد





رسا مركبها على ذاك الشاطئ الساحر بعد شهور من الإبحار
رمال صفراء لامعة تداعبها أمواج مرحة
وترمي الشجيرات ظلها متناثرا في الأجواء
شاطئ وكأنه من الجنة
خلب لبها وأوقفها فاغرة فاها محملقة بعينها
لا تدري ماذا تفعل الآن
فمنذ أن أبحرت وهي لا تعرف وجهة
ولكنها كانت تعرف أن المركب سيلقيها على شاطئ جديد
دوما هناك شاطئ جديد
و لكن أي شاطئ لا تدري
فالمصير لا يحسن دوما إفشاء أسراره
وربما كان مصيرها رائعا إذ ألقاها هنا
"هكذا ظنت"
تجرب؟
قالتها لنفسها وانطلقت
نزلت عن المركب إلى رمل الشاطئ الناعم بحماس وهمة
و..أمل
كانت تتساءل ترى
ما الذي يحويه هذا الشاطئ حتى أجنيه؟
أخذت تستكشف المكان من حولها في انبهار وسعادة
كانت تجري هنا وهناك
و تقفز هنا وهناك
في فرح ومرح وتغريد
ثم سمعت صوتا من بين الأشجار مألوفا فأجفلت
وراقبت
فإذا هم بشر
إذا فهذا الشاطئ معمور مسكون
بشر؟!
همت بالعودة سريعا إلى المركب هاربة
و لكنها سمعت صوت بكاء مكتوم
لطفل وحيد جائع مهموم
فخطت إليه في حذر وتوجس فإذا به صغير
يجلس بين الأشجار يعض أصابعه من الجوع
فرق له قلبها وذرفت لألمه عينها
وفي سرعة فتحت حقيبة ظهرها
و أخرجت منها بعض الزاد
وفي فعل أم حنون متمرسة
أطعمته وسقته
ثم
بين ضلوعها احتوته
وكم أسعدها أنها رأت ابتسامته
وما هي إلا ثوان حتى سمعت أنينا جديدا
يأتي من بعيد
فحملت الطفل ومشت تتبع الصوت
حتى رأت نفس المشهد يتكرر
طفل آخر ضائع وحيد شريد
ففعلت معه مثلما فعلت مع الأول
ولما رأت نفس الابتسامة تتجدد
شعرت بالأنس وسعادة من نوع جديد
فأخذت تبحث وتفتش عن كل طفل وحيد
ووجدت
وكلما وجدت وهبت
وهبت من زادها بدون حسبان
حتى نفد ما معها وظل الأطفال يبكون
فتفكرت وتحيرت بماذا تمدهم الآن
وبدون تردد
شقت صدرها
وأخرجت منه قلبها
لتمدهم بمادة الحياة
وهكذا وهبت
قلبها وبين أيديهم وضعت
زاد الحياة
فرح الأطفال بالقلب وظلوا به يلعبون
وهي فرحة بابتسامتهم و بأنهم سعداء فرحون
حتى تزودوا قدر ما تزودوا
و إذا بها تمر يوما لتجدهم يلعبون
بين أيديهم وأقدامهم يتقاذفون
قلبها وهو مجروح يسيل منه دم غزير
وتسمع له صراخا وبكاء وعويلا
فانتشلته من بين أيدهم ذاهلة
وأخذت تعاتبهم و تذكرهم بمن هي
ضحكوا في سخرية خفية واعتذروا
اعتذارا واهنا ثم مضوا وانصرفوا
ووحيدة وقفت على الشاطئ الخلاب
لا تدري أهي نفس الرمال والشجيرات والأمواج
ولاح لها من بعيد مركبها القديم
وتذكرت خلوتها وفرحتها وهي تبحر عبر المحيط
فاحتضنت قلبها وهو في نزعه الأخير
ووضعته في صدرها وأحكمت عليه إغلاقه
دلفت إلى المركب أدارت الدفة
تصنعت البسمة
ولكن
ما عاد المركب هو المركب
ولا المحيط هو المحيط
وما عاد القلب من ذاك الشاطئ
إلا بألم جديد


0 التعليقات:

أضف تعليق

لا تنسى ان تترك تعليقا..فبكلمة طيبة منك او نصيحة مهذبة قد تغير مسار حياة كاملة