يتم التشغيل بواسطة Blogger.
RSS

رجل كالمؤسسة..أسلم على يديه 4000 شخص

الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على النبي المصطفى وآله وصحبه المستكملين الشرفا 

ثم أما بعد:

ففي ظل زمن احتضار الهمم الذي نحياه
وعكوف غالب الشباب على شهواتهم ودنياهم
يصاب أهل اليقظة ممن رحم الله بهم الأمة بالإحباطات والإنتكاسات بسبب ما يطّلعون عليه من حال الأمة
عزوف عن الدين وجد في أمر الدنيا وتشمير
وتبعية للغرب وافتتان بحضاراتهم ونكران للشريعة ونفاق وكيد

فأحببت أن أخفف من هم هؤلاء 
وأربت على قلوبهم بأن أنقل لهم أحد النماذج المشرفة من التاريخ الحديث
ممن علت همته وسمت روحه وضرب مثلا في خدمة الإسلام والنجاح في ذلك
ليعلم أهل الأهداف السامية وأصحاب الأحلام الوليدة أنه
من صدق الله صدقه الله..
وأنه ليس مستحيل أبدا أن نخدم الدين بإمكانيات بسيطة
وأنه ولابد سيرى كل صاحب حلم حلمه واقع بين الناس
وكل صاحب همة ثمرته على الأرض
متى ما أخلص..وجد واجتهد

وحتى لا أطيل
فإليكم سيرة هذا الرجل الذي يسمونه (الرجل المؤسسة)
المهندس محمد توفيق أحمد الذي أسلم على يديه ما يقارب أربعة آلاف شخص
بنظام المراسلة البريدية !!
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجزاه عن الإسلام خير الجزاء
آمين




سيرة حياة

المهندس/ محمد توفيق أحمد

(الرجل المؤسسة)


هو المهندس محمد توفيق أحمد .. رجل بأمة أسلم على يديه أكثر من 4000 نصراني.

وُلد المهندس محمد توفيق بن أحمد سعد عام 1902 في مدينة "الفيوم" بمصر المحروسة، في حي هناك يُعرف بحي "الحواتم" حيث كان والده يعمل هناك مديرا لفرع البنك الأهلي المصري بالمدينة. وفي مرحلة التكوين الأولى تأثر بوالديه اللذين كانا يواظبان على صلواتهما ويحافظان على تعاليم دينهما، وكان لوالده في منزلهم منتدى قرآني وأدبي وإصلاحي يجتمع فيه شيوخ وأئمة المساجد وقراء القرآن في المدينة بعد صلاة العشاء لتلاوة القرآن، حيث كان الطفل محمد يجلس فيه يستمع إلى قراءة القرآن كبديل عن حضور الكُتّاب الذي لم يطق قسوة شيخه فيه على الأولاد فانقطع عن حضوره.

   وفي بيئة تكوينه الأولى أيضا تأثر بإمام مسجد الحواتم الذي كان يعقد دروسًا في المسجد بعد صلاتي الظهر والعصر، وإلى هذا الشيخ يُرجع المهندس محمد توفيق الفضل فيما حصّله من ثقافة إسلامية واسعة في تلك المرحلة من عمره.

عقل متسائل وقلب لا يهدأ :

مر "محمد توفيق" بمرحلة طريفة وفريدة في فترة طفولته، دفعته إليها عقليته المتسائلة تساؤلات فطرية بريئة ومنطقية.. ففي صغره اعتاد أن يرى أمام منزله المسجد والكنيسة الإنجيلية والكاثوليكية، فأثار ذلك في ذهنه تساؤلا طرحه على أمه: "إذا كان الناس يتوجهون إلى المسجد للصلاة يشكرون الله.. فماذا يصنع الذين يتوجهون إلى الكنيسة؟ فقالت: إنهم يشكرون الله وفقا لأحكام دينهم.
  وكان يلعب مع أولاد القسيس من جيرانه، فتبادر إلى ذهنه تعقيبًا على إجابة أمه إذا كان المسلمون يشكرون الله بالصلاة والنصارى يشكرون الله بالذهاب إلى الكنيسة.. فلماذا لا يجتمع كل هؤلاء في مكان واحد ليشكروا الله معا؟ فأجابته أمه قائلة: عندما يزورنا عدد كبير من الضيوف ولا تتسع لهم غرفة الاستقبال.. فماذا نصنع؟ قال لها: يجلسون في الشرفات أو نقيم لهم شادرًا.

 وجارتْهُ أمه في التفكير على هذه الطريقة لتؤكد له أن الأديان الثلاثة أصلها واحد وليس هناك خلاف، وآثرت أن تتركه لتفكيره الفطري حتى يهتدي إلى حقائق الدين وحده، فقال لها يوماً: هل من الممكن أن أذهب لأشكر الله في الكنيسة؟ فلم تمانع؛ لأنها وجدته يفكر تفكيرا فطريا ولا خطر فيه.

الفطرة.. واختبار النقاء:

   ومن ثم بدأ يتردد على الكنيسة، ولاحظ أنهم هناك يعاملون الأطفال معاملة حسنة جدا، وصار يردد معهم تراتيلهم. ولما اكتشف أبوه ذلك وكان لا يعلم حاول إقناعه بأن المسلمين يشكرون الله في المسجد لا في الكنيسة، وطلب منه عدم الذهاب إلى الكنيسة مرة أخرى، وتوعده إن أصر على الذهاب إليها أن يحرمه من مصروفات الدراسة، وذهب معه إلى ناظر المدرسة التي يذهب إليها، الذي حاول أيضا أن يثنيه عن الذهاب إلى هناك بنفس المنطق، لكن الصبي كان مُصرًّا فانصرف من المدرسة متوجهًا إلى مفتش التبشير الأمريكي في الكنيسة الإنجيلية مستر جلوي.

  وكان للتبشير مدرسة على بُعد كيلومتر من مدينة الفيوم يديرها جلوي هذا، فقابله الطفل هناك، وأبدى رغبته في الالتحاق بمدرسة التبشير وعدم العودة إلى مدرسته القديمة، فاتصل جلوي بأبيه مخبرًا إياه أنه يحاول إثناء ابنه عن عزمه، إلا أن الأب واجه كلام المبشر بغضب وسبه وسب الابن، ومن ثم فقد قبله جلوي في المدرسة وأعد له مكانا للدراسة والإقامة ورتب له معلما يعلمه القرآن الكريم، ولم يكن قد حفظ إلا القليل منه.

  ومضى الطفل يدرس القرآن والإنجيل معاً، ولأن الطفل كان يتمتع بعقلية منطقية فقد بدأت تتجمع لديه بعض الملاحظات النقدية من دراسة الكتابين، كانت بدايتها ملاحظته لما حوته قصة عرس الجليل في الإنجيل من موقف المسيح مع أمه وقوله لها: "مالك ومالي يا امرأة"، وهو ما لاحظ أنه مناقض لما جاء في وصف المسيح في القرآن بأنه كان براً بوالدته ولم يكن جبارا شقيا، وبدأ يدون ملاحظاته تلك في الكراريس التي أعطاها له مستر جلوي، فملأ ثلاثا منها كلها ملاحظات منطقية فطرية.

  وفي براءة عرضها على مستر جلوي طالباً رأيه، فما كان من جلوي إلا أن قال له: إن الذي كتب هذا الكلام هو الشيطان وليس أنت. ولما وضّح له أنه هو الذي كتبه قال له بأنه ليس لديه إجابة على تلك الملاحظات؛ مما أحبط الصبي، فطلب منه على الفور أن يترك مدرسة التبشير، فأوصله جلوي إلى المكان الذي طلبه وهو المسجد الذي يصلي فيه عمه (وكان يخاف من العودة إلى المنزل خشية رد فعل أبيه)، حيث توسط له عمه وعاد إلى بيته بعدما عرف أبوه قصته مع جلوي.

الدافع الذاتي.. والفعل الإيجابي:

  نمت ميول الفتى محمد توفيق ورغبته في نشر الخير وتعليمه لمن يجهل به كلما تقدمت به السن؛ ففي أثناء دراسته بالمدرسة الابتدائية كان يدرس مادة "الديانة والتهذيب" المقررة في ذلك الوقت، فكان يقوم بكتابة دروس تلك المادة ويقوم بتعليقها في أماكن متفرقة من البلدة لتعم الفائدة.


وفي مرحلة لاحقة وجد عددًا من المصليات الصغيرة التي أقامها الفلاحون على شاطئ بحر يوسف؛ لتكون قريبة من مقار أعمالهم في الحقول، فدعا عددا من أصدقائه لكي يقوموا بتدريس ما يتلقونه في مادة الديانة من دروس على مرتادي هذه المصليات فيما بين صلاتي المغرب والعشاء؛ حيث يكون الفلاحون قد أنهوا أعمالهم، وكانت المصليات 8 والأصدقاء 9 فوزعوا أنفسهم عليها واحدا لكل مصلى، والفرد الباقي للتفتيش وكتابة الملاحظات على عمل زملائه لتنبيههم إليها، وكانوا يتناوبون العمل في التفتيش على بعضهم البعض.

وفي عام 1918 سافر إلى القاهرة للدراسة في مدرسة الفنون والصنائع، وبعد تخرجه فكر في إصدار صحيفة مطبوعة، فقام بإصدار صحيفة من ورقة واحدة تسمى "التقوى"، وقام بإصدار ألف نسخة من العدد الأول منها، ثم استصدر ترخيصاً لها، وكتب عليها "جريدة التقوى تصدرها جماعة الوعظ الإسلامي".

وواصل إصدار الصحيفة حتى عام 1929؛ حيث رُشح للسفر في بعثة دراسية إلى سويسرا، وهناك شعر بحاجة الأوروبيين للحصول على فكرة صحيحة وموضوعية عن الإسلام، فأنشأ "دار تبليغ الإسلام"، وهو اسم معنوي كان يعمل من ورائه، وكان يراسل الصحف الأوروبية ليرد على المقالات التي تنشر لتشوه الإسلام باسم "محمد توفيق – محرر جريدة التقوى بالقاهرة"، وكان يتلقى العديد من الرسائل من القراء التي تسأل عن الإسلام. يقول حول تلك الفترة: "وكنت أتسلم الكثير من الرسائل على المنزل الذي كنت أسكن فيه، وبالطبع كنت أرد عليها، وفي كل مكان كنت أتواجد فيه أجد كثيرا من الأسئلة المتعلقة بالإسلام والمسلمين، وكانت صورة الإسلام مشوهة من أعداء الإسلام والمستشرقين ومن حَسَني النية الذين يصدقون كل ما يقرءون؛ فيعتقدون أن الإسلام بهذه الصورة.

الاستفزاز وقود العمل الجاد:

وذات مرة قام أحد المبشرين واسمه دكتور رويلي مفتش التبشير في أسوان في ذلك الوقت، وكان بصدد جمع تبرعات للمساعدة في خدمات المستشفى التبشيري في مصر، ونشر في الصحف أنه سيلقي محاضرة عن مصر وفلسطين وحدد موعدها، وحث الجمهور على حضورها، وكان مكان المحاضرة في أحد المعابد الأوروبية.. يقول محمد توفيق: "وتصورت وقتها أنه سيتعرض في محاضرته للإسلام، وفعلاً تناول في حديثه أشياء كثيرة تمس الإسلام، وتحدث في مواضيع كثيرة عن العرب وفلسطين ومصر، وذكر مظاهر كثيرة من الفوضى والجهل المنتشر -الذي هو في الحقيقة بسبب البعد عن الإسلام-، وكانت تلك حملة مرتبة، وقد حمل الرجل صوراً معه إلى المحاضرة تسيء إلى الإسلام وإلى مصر أبلغ إساءة، ومن الصور التي عرضها بالفانوس في هذا الوقت صورة جمل وسيدة تركب خلف الرجل في المكان المنحدر من مؤخرة الجمل تكاد تسقط، ليوحي بهذا أن معاملة الرجل للمرأة في الإسلام سيئة. ثم قال: هل تتخيلون كيف يتم الزواج هناك؟! المرأة عند المسلمين تباع؛ فهناك من يشتريها الزوج عند الزواج بعشرة جنيهات، وأخرى بعشرين وثالثة بخمسين (إشارة إلى المهر في مصر في الثلاثينيات من القرن العشرين) كأنك تشتري عنزاً أو جاموسة يمكنك أن تشتري المرأة، ويمكنك أن تتزوج بمن تعجبك بأي عدد تشاء، ولم يحدد رويلي عدد النساء بأربع كما هو معروف.

وبعد هذا عرض صورة أخرى لرجلين يمشيان يحمل أحدهما مغزله يغزل به وأمامه امرأته تحمل حملا ثقيلا من القمح قدّره بأربع كيلات، ورغم ذلك يقول زوجها لصاحبه: "سأطلقها"، بالرغم من تفانيها وتعبها في خدمته، وبعد ذلك قال لهم: الآن سأعرض عليكم صورة لأكبر مستشفى رمد في مصر، في القاهرة، وجاء بصورة ضريح السيدة نفيسة، وتظهر فيه حلقات في جوانب الضريح، وجاء بأناس تظهر عيونهم بصورة قبيحة جداً، وقد وضعت عليها طبقات من الطين بشكل قبيح تتقزز منه العين، وقال: هذه الطبيبة -يقصد السيدة نفيسة- من نسل النبي محمد أُرسلت إلى مصر لتعمي المصريين، وقال لهم: هل تعرفون كم عدد العميان في مصر؟ وأجاب أنهم يمثلون 30%.

وعندما انتهت المحاضرة قدم الحاضرون التبرعات لهذا المبشر، ورغبت في أن أرد على د. رويلي غير أن لغتي الألمانية لم تكن تسعفني في هذه المهمة، فقلت كلمات قصيرة في نهاية المحاضرة مؤداها أن لي تعليقاً قصيراً ستقرءونه في الصحف. ولم أنَم في تلك الليلة، وجئت بجميع القواميس في محاولة مني لكتابة رد يصحح ما أثاره مفتش التبشير في محاضرته من أكاذيب ومغالطات. وفي الصباح صححت لي جارتي ما كتبته بلغة ركيكة، وبعثت بهذا الرد للصحف، ونشرت الصحف الرد في صفحاتها الأولى، وذكرت أنه لـ"محمد توفيق - محرر مجلة التقوى بالقاهرة".

 ومن هنا كانت الحاجة ماسة لتأسيس دار تبليغ الإسلام؛ لتقوم بتقديم مفهوم صحيح عن الإسلام، ولتساعد الأجانب الراغبين في معرفة الحقيقة فيما يتصل بالإسلام بلغاتهم الحية في مواجهة حملات التضليل والأكاذيب والتعصب.


مسيرة نصف قرن من "تبليغ الإسلام":

  وهكذا بدأ الأستاذ محمد توفيق عمله في دعوة غير المسلمين من خلال "دار تبليغ الإسلام" في سويسرا ليواصله من مصر بعد عودته حتى وفاته، وحول ذلك يقول: "دار تبليغ الإسلام أو الاسم المعنوي الذي أقوم بنشاطي الإسلامي تحته من خلال اللقاءات أو المكاتبات التي أتبادلها مع الأجانب الراغبين في الحصول على فكرة صحيحة عن الإسلام؛ الأمر الذي اضطررت معه للاشتراك في صندوق بريد رقم 112 في القاهرة؛ حيث كان الصندوق يستقبل مئات الرسائل من جميع أنحاء العالم، ولم أكن أتصور أن الاهتمام بالإسلام والرغبة في معرفة أسسه يستحوذان على كل هذا الاهتمام من الناس من جميع أنحاء العالم، وكنت أقوم بالرد عليها، وبالطبع كان لكل رسالة طابعها، ولكل مرسل اهتماماته التي شدته إلى معرفة الإسلام، واعتراضاته أيضاً على بعض الأمور التي لم يحسن فهمها عن الإسلام، والتي هي نتاج أفكار غير صحيحة ومشوهة عن الإسلام بفعل أعداء الإسلام التقليديين.

   وبأسلوب المراسلة هدى الله تعالى خلقاً كثيراً إلى الإسلام ممن حصلوا على فكرة صحيحة عن الإسلام في بيئات تشوه سماحة الإسلام ومبادئه، كما اكتسبنا أصدقاء للإسلام كثيرين لكنهم لم يعلنوا اعتناقهم للإسلام، وكان الفضل لله تعالى ثم للرسالة الصغيرة التي وضعناها تحت عنوان "الإسلام دين المجتمع"، والتي تضمنت فكرة مركَّزة عن رسالة الإسلام إلى الناس كافة وقد تُرجمت إلى معظم لغات العالم".




يقول الصحفي المغربي الأستاذ عبدالقادر الإدريسي عن الشيخ محمد توفيق في مقالة ((الرجل المؤسسة)):
((التقيت به مرتين، تفصل بينهما ثلاث عشرة سنة كاملة، لم يتغير الرجل طوال هذه المدة، بل استطيع أن أقول: إن قوته وعزيمته تزدادان مضاءً مع توالي الأعوام، الإشراق في عينه يجذبك إليه بقوة، رجل ليس كالرجال، قمة من القمم الشامخة التي وهبت حياتها لله رب العالمين يحتفظ بمكتبه – الذي يشغل جناحاً من شقته المتواضعة – بملفاتٍ كاملةٍ عن الأشخاص الذين اهتدوا إلى دين الله على يده، أصنافا متعددة من البشر، الصفة التي تجمعهم أنهم خارج الوطن الإسلامي، والحكاية لها بداية جديرة بالتسجيل: رحل صاحبي إلى أوربا في الثلاثينيات، وأقام بإحدى المدن السويسرية، حيث عمل في الهندسة الكهربائية، وطالت إقامته في تلك الديار، وأقام علاقات عديدة مع مختلف الطبقات، مما أكسبه حسن السمعة وطيب الذكر، وأخذ في الدعوة إلى الإسلام في الأوساط المسيحية، ولقي عمله إقبالاً كبيراً، وفوجئ بتدفق لم يكن يتوقعه من شتى الأوساط، المتعلمة والمثقفة والعادية، فزاده ذلك إقبالاً على المضي في هذا الطريق، ودخل الكنائس والمدارس والسجون والنوادي الليلة، وأخذ ينفق على الدعوة من دخله الشخصي، وهداه تفكيره إلى استئجار الأماكن العامة، مثل: دور السينما والنوادي وقاعات الاجتماعات، لإلقاء المحاضرات وإدارة الندوات، وفجأة وجد نفسه في عالمٍ لم يخطط له. كان في البداية يقدّر أن المسألة لا تعدو أن تكون عملاً متواضعاً. يقصد به وجه الله لا أقل ولا أكثر، فإذا به أمام نتائج باهرة وحركة واسعة وإقبالٍ لم يخطر على بال، وإذا باسم الرجل يتردد في أكثر من جهة في أوربا، وإذا بالصحافة تكتب عنه، وإذا برجال الكنيسة يتحركون لمعرفة السر وراء هذا النجاح، فلما أيقنوا أن الرجل لا يدعمه أحد سوى الله، كفُّوا عن المناوشة وسلّموا أمرهم لله، حتى إن بعض الرهبان والقساوسة أخذوا يترددون عليه في مقر إقامته بمدينة بادن (أرجاو) بسويسرا لمناقشته والأخذ عنه، وكتب الله لهذا العمل المتواضع الخالص لوجهه الكريم، أن يتسع ويمتد ويشع وينمو في اطراد، وكان أن ارتفع المعدل الشهري للذين يُقبلون على الإسلام، وبمرور الأعوام قفزوا إلى الألف الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة، وهذا كله من فضل ربي الذي لا يضيع أجر من أحسن عملاً. اتخذ لنفسه شعاراً يلخصه في الجملة التالية : ((الناس جميعاً أسرة واحدة، ربها واحد، ودينها واحد، هو الإسلام الذي دعا إليه جميع رسل الله الكرام، والسعيد الناجي مَن فهم القرآن، وعمل على نشر تعاليمه التي تحقق المحبة والسلام بين بني الإنسان)) وهو يطبع هذا الشعار على الرسائل التي يوزعها مجاناً بسبع لغات على القارات الخمس. هذا الرجل تخطى عتبة الثمانين ولا يزال في فتوة وحيوية الشباب.
رجل يستحق التكريم ممن جعل الله تكريم الرجال على أيديهم، لقد أسعدني أن ألتقي بالمهندس محمد توفيق بن أحمد سعد، وهذا اسمه بالكامل. ألستم معي أن هذا الرجل يضاهي عمله المؤسسات، إنه يحق الرجل المؤسسة، ولا عجب))

يقول الأستاذ أنور الجندي عن المهندس محمد توفيق أحمد:
 ((هذا رجل ليست له شهرة الأدباء، ولكن له مكانة العاملين في مجال الفكر الإسلامي والدعوة الإسلامية في صدقٍ وثبات، وقد اختار مجالاً لا يكاد ينافسه فيه أحد، وهو المحيط الخارجي، وفي قلب أوروبا بالذات، ففي كل محطةٍ من المحطات على طول الطريق من النمسا إلى زيورخ إلى بازل، تجد لُوَحاً تقول: ((لقد علمت خطأ عن الإسلام، إن كنت تريد أن تعرف الحقيقة، فاكتب إلى فلان، فإذا أرسلت إليه، أرسل لك كتباً صغيرة موجزة)) وقال لي : أرسل لي خمسةً من أصدقائك، ولا يلبث أن يرسل لهم بطاقاته، وامتد عمله في النمسا والسويد والنرويج وفرنسا، ونما هذا العمل الصامت الخالص لوجه الله، وفي سبيل التعريف بالإسلام، وتحرير مفاهيمه، حتى كتب إلى مائة ألفٍ من البشر، قال لهم كملة التوحيد، فكسب منهم أصدقاء، وكسب منهم معتنقين، ونشأ من خلال ذلك في هذه الأقطار مجتمعات إسلامية))
يا سبحان خالق الهمم ... يرسل خطابات إلى مائة ألف شخص !!

 يقول الأستاذ عبد اللطيف الجوهري – مؤلف كتاب ((رجل من أمة التوحيد أسلم على يده 4000 من الأجانب)) – للمهندس محمد توفيق, أثناء حواره معه الذي ذكره في كتابه ((ماذا عن رقم آخر بطاقة تزف للمسلمين بشرى ميلاد مسلم جديد؟ وما قصة إسلامه باختصار؟ فقال الشيخ محمد توفيق: ((آخر بطاقة رقم (3334) وصاحبها هولندي, جاء إلينا فأعطيته رسائلي ليقرأها, وفي مرة أخرى زارني في صحبة صديق إنجليزي معه شديد التحمس إلى الإسلام, فعندما رأى هذا الحماس لدى الإنجليزي, عاد إليّ بعدما تفرغ لدراسة الإسلام, وأقرّ بالشهادتين, وكتب إقراراً بالإسلام وأسلم)).

يقول رحمه الله: (( إن اتجاهي لتبليغ الإسلام للأجانب, دفعني إليه – بالإضافة إلى واجب التبليغ على كل مسلم – افتتان العرب والمسلمين بالأجانب, فيما يعرف ب((عقدة الخواجة)) فأردت أن أتخذ من الأجانب حقلاً للدعوة الإسلامية, فإذا أسلم هؤلاء الأجانب, لفت ذلك أنظارنا في بلاد العرب والمسلمين – مما يلفتنا – إلى عظمة ديينا وضرورة الالتجاء إليه والتشبُّث بهديه)).

      ويقول: ((إنني في مجال تبليغ الدعوة للأجانب, لا أترك الأجنبي الذي يراسلني بصدد دعوة الإسلام إلا بعدما يعلن الشهادتين, وفي العادة قد تطول المراسلة أو تقصر, وأقصر مراسلة انتهت بإعلان إسلام أحد الأجانب من ألمانيا استمرت شهرين, وأطولها استمرت سبعة عشر عاماً مع رجل من تشيكوسلوفاكيا, ومع هذا الأخير الذي كانت تربطني به صداقة, وكان يتردد على القاهرة ويتفضل بزيارتي, وكان مصرًّا على التمسك بعقيدته, بيد أنه جاءني ذات مرة بعد مرور سبعة عشر عاماً على صداقتنا, وقال لي: إنني أحمل لك مفاجأة, فقلت له: ما هي؟ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)) .
رحمه الله, لقد تفرّغ تفرغاً تاماً لمراسلة الأجانب والرد على استفساراتهم طوال عمره المبارك الذي يناهز التسعين عاماً.
كتب إليه رجلٌ نصراني أجنبي: إن عمري ثمانون عاماً, وقد دأبت منذ نعومة أظافري على التردد على الكنيسة, وإن ما قدمته من معلوماتٍ عن المسيح يفوق ما عرفت عنه في الكنيسة.
يراسل الشيخ محمد توفيق صيدلياً كاثوليكياً يسكن في ((بازل)) على الحدود الفرنسية وزوجته، مدة طويلة بعد طول جهدً معهما، ويرسل إلى زوجة هذا الصيدلي ترجمة معاني القرآن الكريم، وتستوقفها أشياء، ويسافر الشيخ إلى ((بازل)) ويصل بقطار الساعة الرابعة بعد الظهر، وكانوا في انتظاره – الصيدلي وزوجته وأولاده – ولم يكونوا يعرفونه، وكان قد وافاهم بمواصفاته، وأنه طويل نحيف بنظارة ومعه كتاب لونه أحمر، وكان قد حمله ليُعرَف به، واهتدوا إلى معرفته، وفور وصولهم إلى البيت قالت له زوجة الصيدلي: هل أ،ت متوضئ؟ فقال لها: نعم، فقالت: ونحن أيضاً متوضئون، ثم طلبت منه أن يصلي بهم إماماً، فتأثر وبكى.

وهناك حكاية الصبي الألماني، الذي كان والده يراسل الشيخ في موضوع ((الإسلام)) ووصلت مراسلته إلى قناعته بالإسلام، وكان الشيخ في مراسلته قد ذكر له أن أول من أسلم من الصبية علي بن أبي طالب، ومن الرجال أبو بكر الصديق، ومن النساء خديجة بنت خويلد، وبعد ما أعلن الرجل إسلامه، وبعث إلى الشيخ بإقرار الشهادة، أرسل إليه الشيخ شهادة اعتناق الإسلام، وعقب ذلك تلقى الشيخ رسالة من ابن الألماني الصبي وقال: أرجو أن ترسل لي الإقرار للتوقيع عليه، وشهادةً باعتناق الإسلام مثل أبي، فكتب إليه الشيخ يستمهله حتى يكبر ويزداد تعرُّفه على الإسلام، فأرسل من فوره رسالةً ذات منطقٍ مفحم، أقنع الشيخ وأثّر فيه كثيراً حيث قال في رسالته: ((هل طلب محمد بن عبد الله من الصبية أن يتمهلوا حتى يكبروا حين أرادوا الدخول في الإسلام؟ فلم يرَ إلا أن يلبي طلبه فوراً، ويرسل إليه الإقرار ليوقعه، ثم الشهادة باعتناق الإسلام)).

___________________________
المصادر:
كتاب أثر المرء في دنياه للدكتور محمد موسى الشريف
المركز العربي للدراسات والأبحاث


2 التعليقات:

عبداللطيف الجوهري يقول...

الشكر الجزيل للإخوة في هذا الموقع المبارك لنشر هذاالموضوع القيم والإشارة إلى حوارأخيكم الفقير مع الرجل المبارك المهندس محمد توفيق بن أحمد سعدكاتب هذا التعليق وقد سعدت بصحبته والتتلمذ عليه ثلاثة عشر عاما وأصدرت كتابي عنه منذ عشرين عاما( رجل من أمة التوحيد- أسلمعلى يده أربعة آلاف من الأجانب)رحمه الله رحمة واسعة وتغمده في الصالحين في أكرم جوار في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

Heba Sayed يقول...

آمين
جزاكم الله عن هذا الكتاب خيرا
وشرفنا جدا بتعليقكم

أضف تعليق

لا تنسى ان تترك تعليقا..فبكلمة طيبة منك او نصيحة مهذبة قد تغير مسار حياة كاملة