الحمدُ للهِ وكفى وصلاةً وسلامًا على النبيِّ المصطفى،
وآله وصحبهِ المستكملين الشرفَ..
ثم أمّا بعد:
إن مشكلة تنظيم الوقتِ مما عمت به البلوى عند أكثر
الملتزمين إلا من رحم الله.
منهم من يشكونَ من عدم تنظيم الوقت مع وفرتِه، ومنهم من يشكون من عدم وجود وقتٌ أصلا ..
والاثنان سواء..فالمشكلة واحدة تكمن في عدم التنظيم لا
أكثر..
فعدد ساعات اليومِ عند كل الناسِ 24 ساعة فقط..ولكن من
الناسِ من ينتجُ بهذه الأربع وعشرون إنجازاتٍ عظيمة، ومنهم من يظل مكانه لا يبرحه حتى
يمرَ عمرُه من دون أي إنجاز..فيا ترى..ما الفرق بين هذا وذاك ؟
الفرق في الهوى
فبعض الناس- من الشاكين
تفلت الوقت- يريد تنظيم وقته على مراده وهواه هو لا على مراد الله أو ما
يلزم على الملتزم فعله. فتجده يريد تنظيم وقته من دون أن يترك عادة أو يزيل عائقا
أو يقطع عالقا، يريد أن يغير وقته من دون أن يبذل أي تغيير في حياته..
وهو بهذا يتلبس بمقام المخادعة..مخادعة نفسه
لأنه لو كان يشعر بقيمة الوقت حقا وكان صادقا في رغبة
تنظيمه لفعل أي شيء مقابل أن يحصّل ذلك، يغير عاداته ويترك مستحباته.. لكي يحفظ
عليه عمره ويتقدم في طريقه نحو ربه. لكن الحقيقة أن الرغبة في تنظيم الوقت –عند
البعض- هي رغبة عابرة ناتجة عن تأنيب الضمير أو التعرض لموعظة مؤلمة لا يلبث الفرد
بعدها أن يعود لهواه وعوائده وعلائقه.
إخوتي ..
إن الوقت هو وقود الحياة بحق، وأشد الناس حرصا على وقتهم
هم أهل الديانة، ليس فقط لأن كل دقيقة من وقتهم هي رأس مال لهم أو تمثل مشروع استثماري
يديرونه الآن و يجمعون أرباحه في الآخرة، ليس هذا فقط..
بل لأنهم أصحاب غاية سامية وهدف عظيم وهم كبير وثقيل..ألا
وهو تعبيد الناس لله.
ولكن كيف سأُعبد غيري لله و أنا لا أعبده أصلا بالطريقة الصحيحة؟!..
كيف سأبث في الناس الاستسلام لله وأنا أؤدي ذلك صوريا
فقط؟! أليس من المنطقي أن أُعبِّد نفسي لله أولا وأسلم نفسي له تمام التسليم ثم
أساعد غيري على ذلك وأدعو غيري لذلك؟
يقولون دوما أن وقتك هو رأس مالك، وأقول أن وقتك هو أنت..هو
قلبك ونفسك، هو عيوبك ومميزاتك، ألا ترى أن آفاتك لازالت هي هي منذ سنتين أو ثلاث؟!
ألا ترى أن عيوبك هي هي منذ سنتين أو ثلاث؟!
ألا ترى أن حال قلبك هو هو منذ سنتين أو ثلاث؟!
لم؟
لأنك لا تلتفت لقيمة الوقت في إصلاح ذاتك، لا تلتفت إلى
أن الدقيقة إذا استثمرتها اليوم ستثمر غدا نتيجة ما، إما التنزه عن عيب..أو
استغلال ميزة..أو التخلص من آفة..أو زرع طاعة في القلب.
وقتك أنت..فمتى ما فرطت فيه فرطت في نفسك..فإذا ما أتيت
يوم القيامة لم تجد لنفسك شيء ولا لقلبك وزن!!
ولكي يكون الكلام عمليا..دعونا نبحث في هذا الأمر..
كيف ننظم وقتنا؟
أولا ـ بإيجاد الهدف:
ما الهدف؟..سؤال هام جدا لابد أن يكون لديك إجابته. ما هدفك؟
لماذا خلقت؟
سل نفسك لماذا أنا حي حتى الآن؟ لماذا لم يقبضني الله أمس
أو منذ شهر أو منذ سنة؟
مؤكد أن هناك حكمة..
إن لكل منّا دور..فما دورك؟
بعض الناس إذا قرأ هذا الكلام قال لا أعرف دوري، ولا أجد
هدفي، ولمثله أقول: أوجد لك هدفا واصنع لك دورا..وما أكثر الأدوار التي تنتظرك.
إخوتي ..
إن الهم في بلاد
المسلمين أصبح متعددا متشعبا، كثرت الثغور وقل العاملون لها المرابطون عندها، ثغور
داخل بلاد المسلمين وخارجها، وثغور بين فئات الملتزمين وغيرهم، ثغور..ثغور..فاختر
لنفسك ثغرا منهم وانذر نفسك له..ولو كان صغيرا .
وابحث..
مشكلتنا أننا جيل يعشق الاستسهال، حتى الأدوار نريدها أن
تأتينا على أطباق من ذهب. ابحث أخي في ذاتك..وابحث فيما حولك عن الثغر الذي خلقت
له، واعلم أنك ستسأل عنه يوم القيامة..فإن الله لم يخلقك عبثا..له منك مراد..فماذا
أنت قائل حين يسألك عن مراده منك: ماذا فعلت فيه؟
والأهداف كثيرة..وأدوات تحقيقها بفضل الله متوفرة في هذا
العصر وبسهولة، فالهدف قد يكون نفسك..حين يشتد خطرها على الإسلام.
و قد يكون علم شرعي معين تريد تعلمه وتنبغ فيه
و قد يكون نبوغ في الأدب تسد به نقص هذا اللون من الدعوة
عندنا (الدعوة بالرواية والقصة والنثر والشعر)
الهدف قد يكون توفير بديل إعلامي شرعي .
الهدف قد يكون تعلم اللغات ودعوة الآخرين عبر المراسلة
الالكترونية (وراجع هذه القصة)
الهدف قد يكون إنشاء مؤسسة لدعوة السياح في بلدك
الهدف قد بكون هداية أهل بيتك أو أصحابك فتبحث وتقرأ
وتشغل نفسك بالتخطيط والدخول لحياتهم.
الهدف قد يكون بث القيم الطيبة السليمة فيمن حولك.
الهدف قد يكون –وهذا حدثتني أخت عنه بالفعل- تربية أطفال
المسلمين تربية تصنع منهم أبطالا (وهذا وربي هدف عظيم جدا)
الأهداف كثيرة جدا..وإني أكاد أسمعها تنادي على
المسلمين..وتأكد أن فيها هدفك الذي خلق لك كما خلقت له.
أخي..
إن وجود الهدف هو الدافع الأول نحو تنظيم وقتك ونحو حياة
منظمة مرتبة لا عبث فيها ولا فوضى، وإلا إن قلت لك..قلل نومك وقلل ترفيهك وقلل..وقلل..ستفعل..ولكن
مع أول يوم تفعل ذلك ستجد نفسك تسألك:
تريديني أن أقلل كل ذلك لأجل ماذا؟ تفرغني من ذلك لكي
تشغلني بماذا؟
هذا هو بيت القصيد
ثانياـ خالف هواك:
مما لا شك فيه أن الهدف العظيم يستلزم عدة تضحيات
لتحقيقه. وتنظيم الوقت هو هدف عظيم لا شك في ذلك إذا كنا نبغي به ما تحدثنا عنه
سابقا من العمل للدين.
وطالما أنه هدف...فيستلزم تضحيات. فأول وأهم ما أنت
مطالب بالتضحية به .. هواك..خالف هواك
أخي..
إن العمل للنفس على تربيتها والعمل للقلب على إصلاحه والعمل
للدين على نشره يستلزم تضحيات، وأبسط هذه التضحيات أن تضحي بهواك..
وإذا نظرت نظرة سريعة إلى حال السلف وما ضحوا به من أجل
الإسلام سيصغر عندك تضحيتك وتهون عليك، فإنه ليس أشد على الدين خطرا
منك..أنت..بهواك وشهواتك. فإذا ما راودتك نفسك على تضييع وقتك في التوافه وفيما
تهواه هي ازجرها وأنهاها.. وقل لها أن وقتك ليس ملكك..إنه ملك الثغر الذي نذرت
نفسك له..فبأي حق تتصرف فيما لا تملك.
تعامل بهذه النفسية واستعن بالله على ذلك..وجاهد تفز.
وهنا قد يطفو على سطح الذهن سؤال..فيمَ أجاهد نفسي وأخالف
هواي؟
1-جاهدها على الهروب من مشقة تحديد الهدف وإيجاده ومواجهتها في ضعف القدرة على ذلك..فإنها ستحاول أن تثنيك عن هذه الخطوة حتى لا تغير لها مألوفاتها التي تحبها..فخالفها وجاهدها وألجمها..واستعن وفكر وابحث واعمل وجد.
2-جاهدها في مضيعات الوقت..حددها أولا..راقب نفسك واعلم مداخل الشيطان لك التي يضيع بها وقتك:
**وقد يكون كثرة زيارات..تأخذ مسمى "زيارة في الله" وهي أبعد ما تكون عن ذلك..إذ لو كانت كذلك لكانت على مراد الله من حيث قدر الوقت وفحواها.
**وقد يكون كثرة نوم..وما أدراك ما هذا المضيع وخطره..فإنه من أسباب قسوة القلب وموته..لأنه يعلم البدن الكسل والراحة والخمول مما ينعكس بدوره على حال القلب..فيجب عليك تقليل ساعات نومك بما يناسب جهدك.
**إدمان الإنترنت.. ولو كان ابن القيم رحمه الله حيا في عصرنا..لزاد على مفسدات القلب الخمسة (التعلق بغير الله، والأماني، وفضول الكلام، وفضول الطعام، وفضول المنام) مفسدا سادسا هو فضول تصفح الإنترنت.
والخطير في أمر
الإنترنت أن نفسك تسول لك أنك تقرأ في الدين والرقائق وغيره..ولكن أين أنت من
العمل بهذا؟ أليست كل كلمة تقرأها حجة عليك..فأنت بهذا تثقل هذه الحجة وأنت لا
تشعر..تقرأ من ناحية..وتضيع مزيد وقت من ناحية أخرى..و لا عمل!!!
ثالثاـ لابد من
ورقة وقلم:
مما يستعان به
كذلك على تنظيم الوقت أن تقسم اليوم وتخططه بشكل متوازن وأن تكتب ذلك في ورقة. إن
كل تنظيم لا يستعان فيه بورقة وقلم فهو فاشل، إنما يأتي النجاح منهما –بعد الدعاء
وتوفيق الله-.
فقسم يومك إلى
أربع أرباع (سحر-ضحى-عصر-ليل)، أو ثلاثة أثلاث (ضحى-عصر-ليل) واجتهد في أن تحدد
لكل قسم أعماله بالساعة والدقيقة. أو إن شئت تركت يومك عائما ولكن حدد المهام
بالساعات ومتى تبدأ ومتى تنتهي.
ومما يعين على ترتيب المهام كذلك أن تخططها بالأسبوع أو الشهر..وأن تحدد
عدد ساعات النوم ووقته..أو تثبت وقت الاستيقاظ وتدع وقت النوم حسب يومك.. حينها
ستشعر بالفرق إن شاء الله وتكون أكثر إنجازا.
رابعاـ كن
حازما:
مع نفسك ومع
الناس..
مع الناس بأن
لا تكون متاحا مباحا مستباحا طوال الوقت..من أرادك في أي وقت وجدك..فأنت فارغ لا
عمل لك!! كل من أرادك مطية لقضاء هوى نفسه وجدك متوفرا..!
بل يجب أن يكون
لديك أولوياتك..وتكون حازما مع الناس في تواصلهم معك حتى لا يطغى ذلك على يومك
ومهامك.
وأن تكون حازما
مع نفسك..
فكما تفعل مع
الناس افعل معها..بأن لا تكون لها متاحا...بل متى ما خططت أن تفعل كذا ساعة كذا
فعلت، ولا تلتفت لتسويل نفسك أن تصرفك عن مرادك ومهمتك..
واعلم أن
مدار كل ما قلت على الدعاء وسؤال الله البركة في الوقت
وترك
المعاصي فإن بركة العمر تمحق بها..وبدون توفيق الله فلن يفلح أحد
فاستعن
بالله وأصدقه يصدقك
وربنا نسأل
أن يجعلنا من الراشدين المحافظين على أوقاتهم وأن يجعلها في مرضاته
ــــــــــــــ
روابط مفيدة
ذات صلة:
(انصح بشدة تحميل هذا الكتاب وقراءته وتطبيق ما فيه)
2 التعليقات:
جزاكِ الله خيرا
جمييييييل جدا ، جعله الله فى ميزان حسناتك
جزاك الله خيرا
لا تنسى ان تترك تعليقا..فبكلمة طيبة منك او نصيحة مهذبة قد تغير مسار حياة كاملة